-ايام زمان… كانت الدنيا بسيطة، ماكنش في تلفزيونات في بيوت الناس العادية، وبسبب البساطة وعدم موجود حاجات كتير تسلينا او تضيع الوقت الفاضي في حياتنا، ف كانت تسليتنا احنا كستات بيوت، إننا كنا بنقعد سوا ونفضل نرغي في حكايات، منها اللي حقيقي ومنها اللي خيال.. ومن ضمن الستات اللي كنت متعودة اقعد معاهم، كانت زينب.. وزينب دي جوزها كان شغال تربي في مقابر بعيدة عن منطقتنا، بس زينب وجوزها قبل ما ينزلوا على القاهرة ويسكنوا جنبنا في المنطقة، كانوا عايشين في بلد ريفية، وجوزها اللي كان اسمه محمود، كان بيشتغل برضه تربي في نفس البلد، ومن عند بداية شغلانته في الترب، بتبتدي حكايته اللي هحكيهالك على لسانها زي ما حكيتهالنا بالظبط… وبتبتدي زينب الحكاية لما قالت لنا واحنا قاعدين عند واحدة جارتنا في مرة من المرات..
(انا بقى حكاية جوزي محمود حكاية، هو طيب اوي وحنين، بس مشكلته كانت في حبه لشغلته.. محمود كان ابوه فلاح.. مزارع، بيصحى الصبح يزرع في أرض الناس وياخد أجرته، اما عمه بقى، واللي محمود متسمي على إسمه، فده كان بيشتغل تربي، بيحرس الترب بتاعت البلد وبيدفن فيها الميتين، وكمان بيغسل الميتين الرجالة.. ومع الايام، ووقت ما محمود كبر والمفروض انه كان ينزل يشتغل، مانزلش يشتغل مع ابوه لأنه ماحبش الفلاحة وتعبها.. محمود قرر ينزل يشتغل مع عمه، ايوه اختار انه يبقى تربي لأنه كان قريب من عمه اوي وكان بيحبه، بس يا خسارة، مافيش شهر من بعد نزول محمود الشغل، وعمه مات.. وقتها كان هو لسه شاب صغير، حسبة ١٦ سنة كده، يعني ماكنش يقدر يشيل مسؤولية الترب لوحده، وعشان سِنه الصغير ده، فضل شغال مع التربي التاني.. او بمعنى اصح، مساعد عمه الله يرحمه.. الراجل ده كان اسمه فوزي، وشهادة لله، محمود بيقول إنه كان بيحبه اوي وكان بيعامله بما يرضي الله، زي ما كان عمه بيعامله تمام، وفي يوم وهم الاتنين قاعدين عند الأوضة اللي فوزي قاعد فيها، واللي في أول منطقة الترب، او زي ما كان بيتقال عليها، أرض الجبانات.. بص محمود لفوزي وسأله..
-ألا قولي ياعم فوزي.. انا من يوم ما نزلت الشغل وانا في سؤال مطير النوم من عيني، سؤال لما سألته لعمي ماجاوبنيش عليه، ولما سألتهوله تاني.. قالي إنه هيبقى يجاوبني عليه وقت اما يكون فاضي، بس للأسف.. عمي مات ومالحقش يجاوبني.
-سؤال ايه يا ابو حنفي؟!
خد محمود شوية من كوباية الشاي بتاعته وهو بيرتب كلامه، بعد كده سابها وبص لفوزي وسأله..
-انا من يوم ما اشتغلت هنا، وعمي محرج عليا اروح عند المدفن البعيد اللي في أخر الجبانات، بالذات من بعد المغربية.. ليه بقى؟!
بلع فوزي ريقه وجاوب محمود بتوتر بان في رعشة صوته..
-وليه السيرة دي بس يا ابني؟!
-سيرة ايه ياعم فوزي، انا مش فاهم حاجة ولا عارف التربة دي فيها ايه، هو كل اللي انا اعرفه إنه مكتوب عليها من برة، مدفن أل شاكر.. وبس!
-ما هو شاكر ده بقى هو أُس المصايب، ومش هو وبس.. ده اللي مدفون جنبه كمان، كان هو السبب الأساسي في إن شاكر يتلعن وهو حي.. ويتلعن كمان بعد ما مات.
-طب ما تحكيلي ياعم فوزي.. احكيلي ايه حكاية شاكر ده!
ارتبك فوزي وقام وقف وهو بيقول لمحمود..
-طب بقولك ايه.. ما تخليها بكرة بالنهار، انا هدخل انام دلوقتي وانت روح، وبكرة الصبح لما تيجي، هبقى احكيلك.
قاله كده ودخل أوضته، فنده محمود عليه بصوت عالي..
-ياعم فوزي.. انا مش همشي إلا لما اعرف الحكاية.
رد عليه فوزي من جوة..
-ماشي.. هبقى احكيلك.
لما فوزي قال لمحمود كده، قام من مكانه وكان هيدخله، وقبل ما يدخل الأوضة، خرج فوزي وقال له..
-عايز تعرف ايه؟!
قعد محمود تاني مكان ما كان قاعد..
-عاوز اعرف حكاية شاكر ده وليه بقى ملعون وهو حي.. ووهو ميت.
قعد جنبه فوزي وبص قصاده لثواني وهو ساكت، بعد كده ابتدا يحكي وهو وسرحان..
-شاكر حمدان.. حمدان اللي كان من أغنى الناس في البلد وكان وحيد ابوه وامه.. ولما ابو حمدان مات وورث منه كل املاكه وأراضيه، سافر القاهرة واتجوز واحدة من هناك وجابها تعيش معاه في البلد، وبعد جوازهم بفترة.. خلف منها عيلين، واحد جاله مرض ومات، والتاني كان شاكر.. شاكر اللي فضل عايش وبيرعى اراضي ومصالح ابوه لحد ما مات، ومن بعد موت حمدان، اتجوز شاكر من بنت خالته اللي عايشة في القاهرة وجابها هي كمان تعيش معاه، ومافيش.. بعد كام سنة من جوازه، امه ماتت.. وبقى شاكر هو اللي بيتحكم في كل اراضي وورث ابوه، ومن ضمن الأراضي دي، كانت حتة أرض فاضية عند الناحية القبلية للبلد، الأرض كانت بور.. مابيعيشش فيها زرع ولا كان عليها أي مبنى، ومن هنا كان قراره.. شاكر كان بيحب تربية الكلاب.. وعشان كده قرر شاكر إنه يبني على الأرض دي مزرعة، بس مش مزرعة فيها زرع ومواشي.. لا.. شاكر خلاها مزرعة من نوع تاني.. مزرعة كلاب.. وطبعًا الفكرة دي كانت جديدة على أهل البلد وقتها، بس مع الوقت، الناس بدأت تلاحظ على شاكر إنه بيتاجر في الكلاب وبيكسب منهم كويس.. والموضوع ابتدا يتعرف وشاكر كان بيبيع كلاب حراسة لاصحاب المزارع الاغنيا، وفضل حال شاكر على كده لحد ما في مرة جاله واحد عشان يشتري منه كلب.. الراجل ده كان من أهل البلد، بس سمعته كانت سابقاه، مخلوف.. راجل دجال، بتاع سحر وأعمال.. لما راح لشاكر وطلب إنه يشتري كلب من مزرعته، اتفاجئ لما مخلوف طلب منه طلب غريب اوي، وكان الطلب الغريب ده إنه عاوز كلب بمواصفات معينة، مواصفات مابتطلبش من شاكر اصلًا!
في اليوم ده لما مخلوف راح لشاكر، قال له..
-انا عاوز اشتري منك كلب.. بس كلب يكون فيه مواصفات معينة.
رد عليه شاكر بابتسامة كانت تملي مرسومة على وشه..
-طبعًا.. انت تؤمر.. بس المواصفات عبارة عن ايه، عاوزه متدرب على الحراسة، ولا على الوجود جوة البيت، ولا شرس اوي، ولا..
قاطعه مخلوف..
-لا.. انا مش عايز يكون فيه أي حاجة من الحاجات دي، انا عاوزه كلب أسود.. يكون من أي نوع، بس يكون مريض، عيان، وياريت لو قدامه كام يوم ويموت.
رفع شاكر حاجبه وهو باصصله باستغراب..
-ده ازاي ده؟!.. أما غريبة!
-ما غريب الا الشيطان.. ايه اللي غريب في طلبي؟!
-يعني.. الناس بتيجي تشتري كلب للحراسة، او كلب عشان يربوه، إنما كلب اسود وعيان!.. جديدة دي.
-جايز.. جايز يكون الطلب غريب وجديد، وجايز كمان يكون اول مرة يتطلب منك، لكن انا برضه زي ما طلبي غريب، فانا هدفعلك قصاده اللي هتطلبه.
ولأن شاكر كان بيحب الفلوس اوي، فابتسامته زادت وهو بيقول لمخلوف..
-ماشي.. سعر الكلب هيكون ٥ جنيه.
لما مخلوف سمع السعر ده، اتأكد إن شاكر حس إنه عاوز الكلب في حاجة مش ولابد.. وعشان كده ضحك اوي وبص له بخبث..
-٥٠٠ قرش مرة واحدة؟!
-لا على خمس مرات.. ممكن تدفع كل ١٠٠ قرش لوحدهم.. يعني تجيبهم خمس جنيهات.
هز مخلوف راسه وقال له بإعجاب..
-ماشي.. رغم إن السعر غالي اوي، بس ماشي، انا موافق.. هتسلمهولي امتى؟!
قام شاكر وقف وقال له بلهفة..
-حالًا.. انا عندي جوة كلب عيان، وحظك إنه أسود غطيس.
قام مخلوف هو كمان وقف وكأنه بيستعد عشان يمشي..
-استبينا.. بكرة بالليل هجيلك واخده، اكون جيبتلك الفلوس.
-ماشي.. تشرفني في أي وقت.
واللي قاله مخلوف عمله، تاني يوم بالليل راح لشاكر واداله الخمسة جنيه، وشاكر هو كمان اداله الكلب العيان، لكن بعد ما البيعة تمت بتلات ليالي، وبالتحديد في الليلة الرابعة، شاكر شاف حاجة غريبة اوي!
ليلتها شاكر كان سهران في جنينة بيته لوحده، اما مراته وابنه وبنته، فكانوا نايمين في أوضهم.. وبعد ما خلص شاكر سهرته ووقت ما كان داخل للبيت، وقف فجأة في مكانه لما سمع صوت غريب من الجنينة!
وقف في مكانه وهو مدي وشه للبيت وضهره للجنينة، كان متوقع إنه لما يلف هيشوف كلب.. ايوه كلب… ماهو الصوت اللي سمعه جاي من الجنينة، كان صوت كلب بيعوي!
اتثبت في مكانه لثواني ولف بالراحة، لف وهو متوقع إن في أي وقت الكلب اللي بيعوي وراه، ممكن يهجم عليه، بس مع لفة وشه اللفة الكاملة، اتفاجئ شاكر بأن مافيش حد في الجنينة!… لا كان في وجود لكلب ولا جرو حتى، ومش بس كده.. ده كمان الصوت اختفى مرة واحدة، ولا كأنه كان موجود من أصله!
راح شاكر ناحية الجنينة وابتدا يدور فيها، اهو.. لعل وعسى يكون كلب دخل من برة ومستخبي هنا ولا هنا، وبرضه لما دور كويس مالقاش أي حاجة.. لكنه بمجرد ما استقر بينه وبين نفسه على إن الصوت اللي سمعه ده كان تهيؤات، لف من تاني وراح ناحية باب البيت.. باب البيت اللي اول ما فتحه، جسمه اتخشب.. شاكر لقى في نص الصالة الكلب اياه.. نفس الكلب الاسود اللي باعه لمخلوف، بس المرة دي شكله كان متغير؛ عينه كانت حمرة بشكل يخض، وبوقه مفتوح على أخره ونازل منه دم بشكل كبير!
بلع شاكر ريقه ورجع لورا ببطء، وبمجرد ما خطى خطوتين لورا، قام الكلب من مكان ما كان قاعد وقرب منه بخطوات شبه خطواته.. خطوات بطيئة.. بطئها خلى قلبه يدق بسرعه والعرق يغرق كل جسمه.. ومرة واحدة، سمع من جوة البيت صرخة، كانت صرخة مراته اللي خرجت جري وهي شايلة ابنه على إيديها وبتقول بصوت عالي..
“الواد يا شاكر.. ابنك الكلب هجم عليه وقطع جسمه!”
الواد اللي عنده ١١ سنة، كان متقطع في ايديها.. جسمه الصغير بقى حتت بينزل منها دم!
اتفزع شاكر وقبل ما يقرب ناحية مراته وابنه، الكلب رفع جسمه ووقف بينه وبين مراته عشان مايخليهوش يعدي، اتخض ورعبة زاد.. وبنفس رتم خطواته، رجع لورا وكان هيضرب الكلب او هيعمل فيه أي حاجة عشان يبعده، بس مالحقش.. الكلب مرة واحدة خد وضع الهجوم، ومن غير أي مقدمات، نط في وش شاكر…
“ياشاكر.. ياابو حمدان.. قوم ياحبيبي.. ايه اللي منيمك في الجنينة بالشكل ده!”
ده كان صوت مرات شاكر اللي صحاه، صوتها اللي أول ما سمعه ومع نهاية الكابوس اللي شافه، اتنفض من مكانه وهو مخضوض!
ماكنش مصدق إن اللي شافه ده حلم، اصله كان حقيقي اوي، حقيقي لدرجة إنه دخل بسرعة على أوضة ابنه وماطمنش، إلا لما اتأكد إن الواد كويس، وإن البيت فاضي والكلب اياه مش فيه.. ومع نهاية الليلة دي ونوم شاكر في أوضته، الحكاية مانتهتش، لا.. دي كانت بتبتدي.. شاكر من بعدها وحاله اتقلب، الكوابيس اللي كان بطلها نفس الكلب الاسود اللي باعه لمخلوف، ماكانتش بتسيبه، بس بتفتكر مخلوف خلاص على كده.. نسي شاكر بعد ما اشترى منه الكلب!.. طبعًا لا، مخلوف راح لشاكر تاني، ونفس الطلب اللي طلبه منه المرة اللي فاتت، طلبه تاني المرة دي، بس ساعتها بقى شاكر بص له بقلق وخوف وقال له..
-بقولك ايه.. انا مش هبيعلك كلاب تاني، ويلا من هنا بقى من غير مطرود، انت شكلك راجل مش تمام والله أعلم بتعمل ايه بالكلاب العيانة دي!
رد عليه مخلوف بسرعة وبتلقائية..
-انت بتضحك على نفسك ولا عليا!.. ما انت المرة اللي فاتت بيعتلي الكلب وانت عارف اني هعمل بيه حاجة مش ولابد، واكبر دليل على كلامي.. انك لهفت في الكلب اللي كان بيموت، خمسة جنيه بحالها، ايه!.. ضميرك نقح عليك دلوقتي، ولا الكوابيس اللي بتشوفها خوفتك ولحست عقلك؟!
ارتبك شاكر وبلع ريقه بصعوبة..
-ككك ككوابيس!.. انت عرفت منين؟!
(ده الجزء الأول من قصة مزرعة الكلاب.. . دمتم طيبين)
مزرعة الكلاب
٢
-انت بتضحك على نفسك ولا عليا!.. ما انت المرة اللي فاتت بيعتلي الكلب وانت عارف اني هعمل بيه حاجة مش ولابد، واكبر دليل على كلامي.. انك لهفت في الكلب اللي كان بيموت، خمسة جنيه بحالها، ايه!.. ضميرك نقح عليك دلوقتي، ولا الكوابيس اللي بتشوفها خوفتك ولحست عقلك؟!
ارتبك شاكر وبلع ريقه بصعوبة..
-ككك ككوابيس!.. انت عرفت منين؟!
طبطب مخلوف على كتفه وطلع من جيب جلابيته حجاب واداهوله..
-ولا تشغل تفكيرك.. الحجاب ده حطه تحت مخدتك بالليل، وماتقلقش.. من وقت ما هتحطه والكوابيس هتفراقك وهتنام نوم هادي.
خد شاكر الحجاب وهو بيبصله بعدم تصديق..
-طب ولو ماجابش نتيجة؟!
-بسيطة.. ماتبيعليش الكلب اللي انا جاي اطلبه منك النهاردة.. وانا مش ههرب يعني.. انا كده كده هجيلك بكرة، حط الحجاب الليلة دي تحت راسك، ولما ليلتك تعدي على خير وتنام نوم هادي، لما اقابلك بكرة ابقى قولي، ولو حصل العكس ياسيدي، اول ما اجيلك بكرة اطردني من غير ماتتكلم معايا ولا كلمة.. اتفقنا!.. اتفقنا… انا همشي دلوقتي وهبقى افوت عليك بكرة، سعيدة.
رد عليه شاكر وهو لسه ماسك الحجاب وباصصله..
-سعيدة مبارك.
وبعد ما خلصت القعدة بينهم وشاكر روح وحط الحجاب تحت مخدته ونام، الكوابيس فارقته ليلتها.. بعد ليالي مابيعرفش ينام فيها، ولو نام ساعتين، بيقوم منهم مفزوع، اخيرًا نام براحته.. ونومه الهادي ده خلاه لما شاف مخلوف تاني يوم، راح ناحيته جري وباس على ايده وشكره، وكمان قال له إنه هيديله الكلب باربعة جنيه.. ضحك مخلوف وقعد قصاده وهو بيقوله بثقة..
-مش قولتلك.. وبعدين انت راحتك تهمني ياشاكر طول ما انت بتجيبلي اللي بطلبه منك، ومن ناحية الفلوس، ماتحملش هم، كده كده اللي هتطلبه هتاخده.
-تكرم وتعيش ياشيخ مخلوف.. ده كلام الناس عنك طلع في محله بقى، انت طلعت بجد راجل واصل وحجابك له مفعول السحر.. بس انا ليا سؤال يعني، هي الكلاب العيانة اللي بتشتريها دي، بتعمل بيها ايه بالظبط.
-هقولك.. بص ياسيدي وعلى بلاطة كده.. انا راجل بيقدر يحضر ويصرف الجن، وقدرتي دي، خدتها من جدي الله يرحمه، ورث.. ورث وشغلانة ورثتهم منه وبيأكلوني الشهد، وبما إني بعرف احضر جن، فصيطي ابتدا يسمع والناس بقت بتجيلي من كل حتة عشان اعمل لهم اللي هم عايزينه؛ واحد عاوز يأذي جاره المفتري اللي بيرزل على مراته.. أذيه، واحدة عاوزة تأدب سلفتها اللي عايشة معاها في بيت واحد، ومنغصة عليها عيشتها.. آدبها، بس الناس اللي حوالينا دول غلابة، أهل قرى ونجوع، فلوسهم مش كده، ومن هنا جت لي الفكرة.. سافرت القاهرة واتعرفت على ناس، والناس عرفوني على ناس، وبقدرتي ودماغي، قدرت اوصل للطبقة العليوي.. طبقة الباشاوات والبهوات، اتعرفت عليهم وعرفتهم عليا وعلى قدراتي، ومن ساعتها والشغل اختلف، بقيت بتعامل مع ناس غير الناس ووشوش غير الوشوش، بس خلي في بالك.. كل ما سلطة الأنسان ومكانته ما بقوا أعلى، كل ما طلباته ومتطلباته بقت اكبر وأضخم، وده اللي حصل معايا.. انا لما اتعرفت على الطبقة العالية دي وابتدوا يطلبوا مني طلبات، اكتشفت انها طلبات كبيرة اوي، على عكس طلبات الفلاحين الغلابة، يعني مثلًا.. انا كبيري هنا في البلد كان ايه؟!
-ايه ياشيخنا؟!
-ما انا لسه قايل لك.. اعمل عمل بسيط لده، او اجنن دي.. او عمل حجاب لابن ده، إنما دول بقى طلباتهم كانت شديدة.. اللي عاوز يلف على مرات الباشا الفلاني وعاوزها تحبه عشان ياخد فلوسها وفلوس جوزها، واللي عاوز بنت البيه الفلاني تحبه ولما يتقدملها تقبله عشان ياخد البهوية او يترقى في شغله، وطبعًا دي كانت حاجات كبيرة بالنسبة لي، والأعمال الكبيرة.. بتحتاج خُدام شُداد، وعشان كده بحتاج الكلاب.
-الله!.. مش فاهم برضه، ايه دخل الكلاب بالأعمال الكبيرة؟!
-هفهمك يا شاكر.. الجن الشديد عشان يحضر وينفذ لي طلباتي، لازمله مستضيف او كائن حي يحضر عليه، والكائن ده لازم يكون بياكل لحمة.. وهتعرف ليه لما اكمل لك.. المهم إن الكائن ده كمان لازم يكون شرس عشان ياكل اللحمة، وفي نفس الوقت يكون ضعيف، وعشان كده اختارت الكلاب.. ومش اي كلاب، انا بختار الكلب الأسود العيان.. وقبل ما تسأل بختاره اسود وعيان ليه، فانا هقولك، اللون الاسود هو اكتر لون بيجذب الجن.. بيحبوه، بيشوفوه شبههم ومنهم، وبكده اقدر اقولك إنهم بيحضروا على الكلب الاسود بسرعة، اما بقى مسئلة إن الكلب لازم يكون عيان، فدي مهمة اوي لأن انا لما بحضر الخادم او الجن على الكلب، بحبسه جواه يومين.. يومين بالعدد لحد ما يتمم لي العمل اللي انا محضره عشان ينفذه، وبعد اليومين بصرفه من على الكلب، وعشان اقدر اتحكم في الخادم وقت ما بيكون محبوس في جسم الكلب، لازم الكلب يكون عيان، مقاومته أقل.. ضعيف، وضعفه ده بيساعدني في حاجة مهمة اوي.. إنه يموت، ماهو الكلب بعد ما بصرف الخادم من عليه، مابيرجعش زي ما كان.. بيتغير، بيبقى عامل زي البني أدم المجنون، او بالمعنى الأوضح.. بيتسعر، ومن هنا بتيجي الأهمية التانية، الكلب لما بيبقى عيان والجن بينصرف من عليه، مابيستحملش زي الكلب العادي، لا.. ده بيموت، ولو ماماتش في ساعتها بعد الجن مابينصرف من عليه، بيموت قبلها والجن بينصرف من عليه برضه، او بيموت في نفس اليوم بعد الصرف.. وبس يا سيدي.
سكت شاكر شوية وبعد كده سأل الشيخ مخلوف من تاني..
-لا مابسش.. انا في حاجتين مهمين ماعرفتش أجابتهم.
-مع إن يعني المفروض ماقعدش اشرحلك اصلًا ولا افهمك، بس انت صديقي.. واعتقد إن هيكون ما بيننا شغل كتير، اسأل.
-اكيد هيكون بيننا شغل طبعًا.. وعشان كده حابب استفسر.. هو ايه علاقة الكائن الحي اللي بيتحضر عليه الخادم، باللحمة، وليه مابتقتلش الكلب بنفسك بعد ما بتعمل عليه اللي انت عايزه؟!
-اجابة السؤال الأولاني بسيطة، انا عشان احضر خادم، بقرا على الكلب عزيمة وبأكله طلاسم، والطلاسم دي عشان تتنفذ بسرعة، لازم تتكتب على لحمة نية والكلب ياكلها، وبعد الكلب ما بياكلها وبقرا عليه، الخادم بيحضر، اما أجابة السؤال التاني، إنه ماينفعش.. ماينفعش اقتل الكلب بإيدي سواء قبل او بعد الصرف، الكلب ياشاكر بيبقى هو المستضيف، وانا لو أذيت مستضيف او قتلته، هبقى كده بنقد عهودي معاهم، وكأني مثلًا ضربت عيل من عيالهم.. ايوه ماتستغربش اوي كده، الموضوع معقد، الكلب لازم يبقى عيان عشان جسمه مايستحملش ويموت لوحده، وفي نفس الوقت ماينفعش انا اموته بإيدي، ولو الكلب كان بصحته واتحضر عليه والخادم انصرف وعاش، الكلب بيتحول بعد كده من كلب عادي، لكلب مسعور.. لو اتساب او شاف ناس وهو مش مربوط، حرفيًا ممكن يقطعهم بسنانه… فهمت؟!
بص شاكر لمخلوف بقلق وجاوبه..
-فهمت.. بس انا بعد ما فهمت ليا طلب عندك.
-عارفه.. من غير ما تقول عارفه، عاوز فلوس زيادة، صح؟!
بلع شاكر ريقه باحراج ممزوج بابتسامة..
-يعني.. مش القصد، انا مش عاوز فلوس زيادة وخلاص، انا بس يعني عاوزك تبقى في ضهري، تساعدني، تكب عليا من خيرك.. وياريت لو تتوسطلي عند ناس من حبايبك وتخليهم يدوني البهاوية ولا البكاوية.
ضحك مخلوف على كلام شاكر وهز له راسه..
-ماشي ياعم شاكر.. انا مش هبخل عليك بحاجة، هكلملك ناس من حبايبي اللي في القاهرة وهخليهم يدوك الدرجة اللي تليق بيك وبمقامك وسط الناس، ولو عالفلوس، سبق وقولتلك.. ماتحملش هم، اللي انت عايزه هتاخده، انا مش بخيل ياشاكر.. ها.. مش بخييل.
-تقصد ايه بكلامك ده ياشيخنا.. تقصد اني بخيل يعني؟!
ماردش مخلوف، ده قام وقف وقاله بتريقة..
-اقصد ولا ما اقصدش.. ماتاخدش في بالك، خلينا في مصلحتنا دلوقتي، فين الكلب اللي طلبته منك؟!
-جوة.. جوة في المزرعة مع الكلاب، دقايق ويكون عندك.
دخل بسرعة شاكر جاب الكلب لمخلوف، ومن اليوم ده، وهم الاتنين بقوا مع بعض دايمًا، شاكر بيجيب لمخلوف الكلاب العيانة، ومخلوف بيديله فلوس وحاجات تانية كتير من اللي وعده بيها، ولما الناس ابتدوا يسألوا شاكر عن الصحوبية اللي ضربت فجأة كده مع مخلوف، كان بيقولهم إن في ما بينهم مصالح، ولما مراته سألته عن السبب وضغطت عليه، قالها إن مخلوف بياخد منه كلاب وبيبعها لمعارفه اللي في القاهرة بتمن أكبر من تمنها.. وبكده بقى شاكر في نظر الناس تابع لمخلوف اللي الكل عارف سيرته وسمعته، وفي نظر مراته، بقى البياع الشاطر اللي بيبيع كلابه بتمن غالي عن طريق معرفته بمخلوف، وكمان بقى في نظرها اكبر من بياع شاطر، وده لما مخلوف اتوسطله عند واحد من الأكابر وجابله البكاوية.. ومن عند البكاوية بقى حياة شاكر اتغيرت للأحسن، بقى اعلى من الناس اللي حواليه في البلد، وبفلوسه ونفوذه، اشترى أراضي اكتر، وبدل مزرعة الكلاب الواحدة بقى عنده اتنين، واستمر الحال ما بينهم على كده، لحد ما في مرة جه مخلوف وقال لشاكر..
-شوف يا شاكر.. انا المفروض هسافر القاهرة عشان مراتي اللي هناك هتولد، وقبل ما اسافر لازم اعمل حاجة مهمة اوي.. شوف.. من كام يوم في واحد من حبايبنا قصدني في خدمة، الواحد ده المفروض إنه ياخد الباشاوية من زمان وماخدهاش، وده لأن في واحد مستقصده وحاطه في دماغه إسمه عصمت باشا، ولما كلم حد وقرب خلاص إنه ياخدها، ظهر عصمت تاني في الصورة عشان يمنعها عنه، وهنا مربط الفرس.. صاحبنا كلمني عشان ازيح عصمت من سكته، اشله، او اجننه، او اخليه يعيا ومايخرجش من بيته.. حاجة زي كده يعني، وفي مقابل طلبه ده، اداني فلوس كتير، وكمان قالي إنه هيتوسطلي ويجيبلي الباشاوية لو عملتله اللي هو عايزه، واللي هو عايزه مش هيحصل إلا بالطريقة اللي انت عارفها، وانا بصراحة ماعنديش وقت اجيب كلب من عندك وافضل قاعد جنبه يومين وبعد ما اخلص العمل اسافر لمراتي، وفي نفس الوقت برضه، ماينفعش اسافر من غير ما آذي عصمت، وألا صاحبنا ده لو عرف بخبر وجودي في القاهرة، هيجيلي وهيزعق معايا عشان عصمت ماحصلوش حاجة.
-والمطلوب يا شيخنا؟!
-هقولك المطلوب، بس قبل ما اقولك هفهمك حاجة بسيطة، انا لو عملت لصاحبنا ده اللي هو عايزه وخد الباشاوية وخلاني انا كمان اخدها من بعده، ساعتها هقدر اجيبلك البهاوية ومن بعدها الباشاوية كمان.. وعشان كل ده يحصل، عاوزك تركز معايا.. انا عاوزك تجيبلي كلب بنفس المواصفات اللي باخدها منك كل مرة، لكن المرة دي انا هحضر الخادم عليه عندك في المزرعة وهسافر، ومافيش.. يومين بالظبط وهرجع اصرف الخادم من عليه، وفي خلال اليومين دول عاوزك تحط الكلاب في مكان بعيد عن الكلاب التانية، اقولك.. حطه في الأوضة الفاضية اللي جوة وخليه مربوط من إيده ورجله زي ما هعمل فيه، وخد بالك.. الكلب مايشربش مايه ولا ياكل من أي حاجة غير اللحمة نية اللي هسيبهالك.. وبعد ما اطمن على مراتي واجي، هصرف الخادم من عليه وهسيبه يموت كالعادة، ها.. هتعرف تعمل كده؟!
وقف قصاده شاكر بفخر وقال له..
-قال اعرف قال.. سهلة وبسيطة يا مولانا، انت هتسافر امتى؟!
-بكرة.
-حلو.. الكلب انا هجيبهولك دلوقتي، وانت بقى معاك النهاردة وبكرة.. هفضيلك المزرعة من العمال، واعمل فيه اللي انت عاوزه وحطه مكان ما انت عايز، وبعد ما تخلص، سيبه مطرحه وانا هعمل كل اللي قولتلي عليه، وكمان هوصي اللي شغالين معايا إنهم ينفذوا نفس الكلام.. المهم الباشاوية.. دي حلمي.
طبطب مخلوف على كتف شاكر وابتسمله ابتسامة رضا، واللي طلبه ناله.. قعد مخلوف في المزرعة مع الكلب وحضر عليه وهو مربوط، وبعد ما خلص، سلم الكلب لشاكر وسافر القاهرة، وشاكر طبعًا بدأ ينفذ اللي مخلوف قال له عليه، وفي اول يوم سافر فيه مخلوف، نده شاكر لعطية اللي شغال عنده في المزرعة وقال له..
-والا يا عطية.. انت يازفت ياللي اسمك عطية.
-اؤمرني ياشاكر بيه.
-انا هروح البيت انام، وعاوزك قبل ما تمشي ترمي للكلب اللي في الأوضة الفاضية لحمة من اللي في الكيس الاسود ده، وتفهم سيد اللي بيشتغل وردية بالليل لما يجي، إن كل الكلب ما يعوي، يرميله حتة من اللحمة.. فهمت هتعمل ايه؟!
-فهمت يا بيه، روح انت ارتاح وماتشيلش هم.
وروح شاكر بيته ونام، وكالعادة.. حط شاكر تحت راسه الحجاب وراح في النوم، لكنه بعد شوية صحي على صوت كلاب بتهوهو بشكل يخض!
ولما فتح شاكر عينه، لقى نفسه في مزرعته، جوة أوضة الكلاب، ومعاه ومع الكلاب اللي كانوا واقفين متحفزين، الكلب الاسود اللي كان حابسه في الأوضة الفاضية، كان سايب، ايديه ورجليه مش مربوطين، وقبل ما شاكر يتحرك من مكانه او يعمل اي حاجة، هجم الكلب على بقية الكلاب وابتدا يهاجمهم واحد ورا التاني زي الوحش.. قوته ماكانتش قوة كلب أبدًا، ده كان بينهش فيهم بسرعة وبقوة غريبة زي النمر.. وبعد ما موتهم وقطعهم في دقايق، وقف قصاد شاكر وبص له بعينيه الحمرة وفتح بوقه على الأخر، وفي اخر لحظة.. وقبل ما يهجم عليه، قام شاكر من النوم على صوت مراته اللي قالتله..
-اصحى ياشاكر.. اصحى.. الواد سيد اللي بيشتغل عندك في المزرعة الجديدة واقف عالباب.
قام شاكر وهو بيزيح من على وشه أثار النوم..
-وده ايه اللي جايبه هنا دلوقتي ده!.. وبعدين هي الساعة كام اصلًا؟!
-الساعة دلوقتي ٦ الصبح.
قام شاكر وهو مستغرب وراح ناحية الباب، عينيه كانت لسه بتقفل وماكنش فاق، بس فجأة فتح وبص بتركيز لسيد لما لقاه واقف عرقان وبيترعش..
-مالك يا ياض… منظرك عامل كده ليه!
ابتدا سيد يتهته وهو بيقوله..
يتبع
(ده الجزء الثاني من قصة مزرعة الكلاب، دمتم طيبين)
مزرعة الكلاب
٣
قام شاكر وهو مستغرب وراح ناحية الباب، عينيه كانت لسه بتقفل وماكنش فاق، بس فجأة فتح وبص بتركيز لسيد لما لقاه واقف عرقان وبيترعش..
-مالك يا ياض… منظرك عامل كده ليه!
ابتدا سيد يتهته وهو بيقوله..
-انت علقت زي الاسطوانة المضروبة كده ليه، ماتنطق يا بغل.
-كلهم ماتوا.. دخلت لقتهم متقطعين، والكلب اللي لقيته مربوط في الأوضة الفاضية، وفكيته ودخلته معاهم، اختفى.. زي ما يكون فص ملح وداب، مابقالوش أثر في المزرعة كلها.
كلام سيد نزل على شاكر زي الصاعقة، وبسبب كلامه ده، زقه لبرة وقال له بزعيق..
-وانت دخلته ليه.. ماسمعتش كلام عطية ليه، ده انا موصيه قبل ما امشي وقولتله مايحركش الكلب من مكانه.
رد سيد وهو بيترعش من الخوف..
-وربنا ما قالي حاجة يا شاكر يا بيه، انا لما استلمت منه لقيته مسطول، كان بيحشش على الجوزة وروح وهو بيتطوح، ده حتى ماسلمش عليا ولا قالي حمد لله عالسلامة لأني راجع من الأجازة.. هو اول ما شافني سابني ومشي، بعد ما مشي وقعدت انا مطرحه، سمعت كلب بيعوي من الأوضة الفاضية، فدخلتله.. لقيته يا ولداه متربط من إيديه ورجليه وبيبصلي وعينيه حمرة وبتدمع، صُعُب عليا شيلته ودخلته مع الكلاب عشان يصحصح كده وياكل معاهم، بس لما فكيته ماتحركش، ده فضل قاعد في مكانه، فقولت اسيبه معاهم وهو شوية وهيقوم… وبعد ما عملت اللي عملته ده، خرجت من الأوضة الكبيرة وروحت اريح شوية على الدكة الخشب وروحت في النوم.. وفضلت نايم وماصحانيش يا بيه غير صوت الكلاب وهي بتعوي وكأنها بتموت، قومت بسرعة ودخلتلهم، وساعتها اتفجعت، الكلاب كلها كانت متقطعة وميتة، والكلب اياه مالقتهوش، خوفت.. خوفت والخوف خلاني ماحستش برجليا الا وهي جايباني لحد هنا.
ضرب شاكر وشه بإيده والدم بيغلي في عروقه..
-الله يخربيت اهلك ليخربيت اهل عطية نفر نفر، ربنا ياخدكوا يا أخي، ربنا ياخدكوا ويريحني منكوا.. قدااامي.. قدامي عالمزرعة لما نشوف حل في المصيبة اللي انت عملتها دي.
خرج شاكر بالبيجامة من بيته هو وسيد، ومع وصوله للمزرعة.. لقى اللي شافه في الحلم واللي سيد حكهوله حاصل بالظبط.. الكلاب كلها كانت ميتة، ومش بس ميتة، دي كانت متقطعة حتت.. والكلب اياه مالوش أي أثر!
فضل يزعق ويهلل وطرد سيد، ومش بس سيد، ده كمان طرد عطية لما جه، وبعد ما طرد الاتنين بسبب إنهم اغبيا، فضل قاعد في المزرعة بالبيجامة وهو بيعيط وبيكلم نفسه..
-يا وقعتك السودة ياشاكر يا ابن حمدان.. يامصيبتك الكبيرة اللي مالهاش حل.. اه يا راس مالي اللي ضاع، اه يا شقايا اللي اتحول لكلاب ميتة ومتقطعة بالحتة.
وقتها كان مخلوف جه من القاهرة، واول ما جه، راح لشاكر ودخل عليه المزرعة وهو قاعد بيولول..
-في ايه!… مالك عمال تولول كده ليه زي الولايا يا شاك..
وقبل ما يكمل كلامه، سكت!.. صدمته من منظر الكلاب المتقطعة، خلته اتسمر في مكانه وهو بيحاول يستوعب مين اللي عمل المصيبة دي، كان بيكدب نفسه وبيدعي إن ظنونه تكون غلط، بس ده ماحصلش.. ظنونه طلعت صح، ماهو اصله لما سأل شاكر.. مين اللي عمل في الكلاب دي كده، جاوبه شاكر وحكاله على كل اللي حصل، وبعد ما خلص كلامه، فاق مخلوف من الصدمة ومسكه من دراعه وقال له بعصبية..
-الكلب ده ماخرجش من هنا، انا محصن المزرعة وقت ما كنت بحضر الخادم عليه، وحتى لو تحصيني اتضرب او الكلب خرج، احنا لازم نرجعه.. لازم نرجعه ونصرف الخادم اللي عليه وألا هيموتنا زي ما موت الكلاب دول.. انت مستوعب حجم المصيبة اللي احنا فيها، ده كلب جواه مارد من مردة الجن، قووم.. قوم معايا خلينا ننضف المكان ونحضر الخادم المحبوس في جسم الكلب… قوم يلا وكفاية تعديد زي الحريم وانا هعوضك.
وبمجرد ما مخلوف خلص كلامه، هم الاتنين برقوا لبعض.. وسبب تبريقتهم كان صوت الكلب اللي سمعوه خارج من ركن من اركان الأوضة اللي كانوا فيها!
بصوا هم الاتنين ناحية الصوت، كان هو بعينه الحمرة وجسمه المشدود وسنانه اللي بتلمع، الكلب الاسود.. وقف قدامهم وقرب منهم بالراحة، وفي اللحظة دي اتكلم مخلوف وقال بصوت عالي..
-كيس اللحمة فين؟!.. لازم نأكله عشان يهدا ونعرف نمسكه ونحرر الجن منه.
رد عليه شاكر وهو بيترعش..
-جوة.. جوة في الأوضة الفاضية.
رجع مخلوف خطوتين لورا وهو لسه مركز مع الكلب..
-طب اجري.. اجري وروح هاته حالًا يلا.
واول ما قال كده، نط الكلب من مكانه وهجم على مخلوف، خطوته كانت سريعة، سبقت تفكير مخلوف وشاكر، وكمان سبقت تنفيذ الخطة اللي حطوها، ومع هجوم الكلب على مخلوف، شاكر كان واقف بيترعش، ماكنش عارف يعمل ايه، فضل يدور حواليه زي المجنون على أي حاجة يضرب بيها الكلب اللي ابتدا ينهش في وش مخلوف وفي راسه، بس مالقاش.. مالقاش قدامه غير جركن فيه بنزين كان بيستعمله في ملي لمبات الجاز وفي حاجات تانية، خد شاكر الجركن وجري ناحية الكلب ودلق عليه، وبسرعة.. مسك شطاطة كبريت كانت موجودة جنب الجركن وولع في الكلب!
وهنا كانت المصيبة، الكلب ساب مخلوف اللي بقى جثة على الأرض، وراح ناحية شاكر وهو مولع وهاجمه.. وبس.. انتهت حياة الاتنين.. تاني يوم الصبح الناس لقوا مخلوف ميت وراسه متقطعة بسنان الكلب، وجنبه لقوا شاكر وهو محروق وجسمه هو كمان متقطع زي الكلاب المتقطعة حواليهم.. بعدها الناس خدوهم وغسلوهم ودفنوهم، واللي اتقال فيما بعد ان في كلب مسعور هاجمهم وموتهم، ولما حاولوا يولعوا فيه ماعرفوش، فقتلهم وهرب.. وطبعًا شاكر ومخلوف اندفنوا في مدفن واحد، مدفن شاكر اللي عند أخر الجبانات.
لما فوزي خلص الحكاية، بص له محمود وسأله..
-طب والكلب ياعم فوزي.. راح فين.. والمزرعة.. بقى مكانها ايه دلوقتي؟!
-ماحدش يعرف، الكلب اختفى وماظهرش تاني، او تقدر تقول كده إنه ماظهرش بشكله الحقيقي تاني، اما المزرعة، فاتهدت واتعمل مكانها طريق عند اخر البلد.
سكت محمود شوية وبعد كده قال له..
-طب انت قولت إن الكلب مابيظهرش بشكله الحقيقي، ايه بقى معنى الجملة دي؟!
-معناها إن الكلب بيظهر عن المدفن بتاع شاكر بالليل، المدفن الملعون اللي بيظهر قدامه ساعات الكلب، وساعات شاكر نفسه.
بلع محمود ريقه وهو مرعوب، بس في لحظة حاول يتشجع ويعمل نفسه مش خايف لما قال لفوزي..
-يعني انا لو عديت من عند المدفن بالليل، هشوف الكلب وشبح شاكر؟!
-اه هتشوفهم.. بس لو شاكر ماعملكش حاجة وفلتت منه، أكيد الكلب مش هيسيبك وهيأذيك، حتى لو ماطالكش في الحقيقة، فهو برضه هيزورك في احلامك زي كل اللي عدوا من عند المدفن بالليل وشافوه.
الخوف زاد جوة محمود، وبالرغم من خوفه وقلقه، إلا إنه سأل فوزي سؤال مهم اوي..
-خلاص.. انا مش هعدي من قصاده بالليل، ولا حتى هفتح السيرة دي من تاني، لكن قبل ما نقفل الموضوع ده خالص، انا عاوز اعرف حاجة مهمة اوي بالنسبة لي، انت عرفت منين كل التفاصيل دي، وبالذات تفاصيل موتهم وتفاصيل أحلام شاكر.
ابتسم فوزي ابتسامة خبيثة وقال لمحمود وهو بيبصله..
-مش جايز لأن انا.. كنت معاهم.
برق له محمود لما سمع من جوة الأوضة صوت فوزي وهو بيقول..
-انت ياض يامحمود.. انت ماروحتش لحد دلوقتي؟!
ومع سماعه لصوت فوزي، بص للي قاعد جنبه، كان شكله اتغير.. من فوزي التربي، لراجل لابس بيجامة وجسمه محروق ووشه فيه أثار أنياب كلب!
اتنفض في مكانه وقام وقف، وفي نفس اللحظة كان خرج فوزي من الأوضة وهو بيقول بصوت عالي..
-انت ياض انت ايه اللي مقعدك لحد دلوقتي!.. ده انا نمت وصحيت وانت لسه قاعد!.. انا مش قولتلك روح وبكرة الصبح هبقى هحكيلك؟
بص محمود ناحية فوزي اللي خرج من الأوضة وهو لسه مبرق، ولما بص بسرعة على اللي كان قاعد بيحكيله، مالقاش حد!
طلع محمود جوزي يجري على بيته، ومن يومها.. من يومها وهو لا بقى بيروح الجبانات بالليل، ولا بقى بيعدي من قصاد المدفن بتاع شاكر حتى لو بالنهار.. بس تعرفوا.. الموضوع قوى قلب محمود، واهو.. لسه لحد النهاردة شغال نفس الشغلانة، اه.. ماهو تملي يقول إنه مهما شاف، عمره ما هيشوف زي اللي شافه ليلتها من شبح شاكر اللي عرفه من شكله ومن البيجاما..)
وبس يا واد.. لحد هنا وسكتت زينب، سكتت لما خلصت حكاية جوزها محمود.
-يا سلام!.. يعني انتي عايزة تقنعيني إن اللي محمود شافه وحكاله الحكاية، كان شبح شاكر؟!
-اقنعك!.. اقنعك ده ايه؟!.. انا مالي ومال إنك تقتنع او لا، انا نقلتلك اللي زينب حكته وجوزها شافه، ولو انت اقتنعت ولا ماقتنعتش، دي حاجة ماتخصنيش.. انا اللي يخصني ويخصك انت كمان، هو رأي الناس اللي هيسمعوا الحكاية، اكتبها وشوف هيقتنعوا بيها ولا لأ.. ولو ماقتنعوش، يبقى ده رأيهم، بس برضه هيبقوا استفادوا منها عبرة.. ولو اقتنعوا.. يبقى لازم يخلوا بالهم من الكلاب السودة لأنها ساعات مابتبقاش مجرد كلاب.
-ماشي يا ستي ماشي.. قفلي بقى على سيرة الكلاب عشان انا اساسًا مابحبهمش وبترعب منهم، سواء كلاب سودا ولا حتى بيضا.. او اقولك، انا اللي هقفل خالص وهخش انام عشان اروح بكرة لعم احمد البسطاويسي… تصبحي على خير ياستي.
-وانت من اهله يا خواف.. بس قبل ما تنام حاسب.. حاسب لا الكلب الاسود يطلعلك في الحلم زي ما كان بيطلع للي بيعدوا من قصاد مدفن شاكر، وبيجري وراهم وبيعضهم من…
رجعت تاني لجدتي لما قالت كده وسألتها..
-منين؟!.. كان بيعضهم منين ياستي؟!
-يعني لو الكلب بيجري وراك وانت بتجري قدامه.. هيعضك منين؟!
-ها!.. لا ماعرفش.. ماعرفش ومش عايز اعرف، وتصبحي على خير ياستي بقى، بلاش فضايح.. قال هيضني منين قال.. اما كلب ابن كلب صحيح!
ولحد هنا بتخلص الحكاية دي من حكايات جدتي، واوعدكم إن انا قريب اوي هرجعلكوا بحكاية جديدة، والحكاية الجديدة المرة دي هتبقى على لسانه.. فاكرينه!.. ايوه هو.. عم احمد البسطاويسي، نتقابل قريب.. سلام..
تمت
محمد شعبان